منتديات ابنا الغالية عرش الربيعتين


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات ابنا الغالية عرش الربيعتين
منتديات ابنا الغالية عرش الربيعتين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قصة حيات الرسول محمد صلى الله عليه و سلم

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

قصة حيات الرسول محمد صلى الله عليه و سلم  Empty قصة حيات الرسول محمد صلى الله عليه و سلم

مُساهمة من طرف ساقي الحرمين الخميس يناير 03, 2013 7:38 am

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قصة سيدنا مُحَمّد عليه الصلاة والسلام

النبي الأمي العربي، من بني هاشم، ولد في مكة بعد وفاة أبيه عبد الله بأشهر قليلة، توفيت أمه آمنة وهو لا يزال طفلا، كفله جده عبد المطلب ثم عمه أبو طالب، ورعى الغنم لزمن، تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد وهو في الخامسة والعشرين من عمره، دعا الناس إلى الإسلام أي إلى الإيمان بالله الواحد ورسوله، بدأ دعوته في مكة فاضطهده أهلها فهاجر إلى المدينة حيث اجتمع حوله عدد من الأنصار عام 622 م فأصبحت هذه السنة بدء التاريخ الهجري، توفي بعد أن حج حجة الوداع.
محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) سيد الخلق وإمام الأنبياء، وحامل خاتم رسالات رب العالمين إلى الناس، النبي الأمي الذي سنتجول في دروب حياته، نتنسم سيرته، ونتعقب خطواته، ونتسمع أخباره، ونسعى في صحراء الجزيرة العربية نبحث، ونفتش ونقلب كتب التاريخ كي نتلمس آثاره، وفى رحلتنا تلك سنشاهد أحوال العالم قبل البعثة، ونطالع فصوب حياته قبل نزول الوحي، ونتفهم كيف بدأ الدعوة سرًا؟، وكيف جهر بها؟، وكيف خرج بها من مكة؟، بل كيف خرج هو -صلى الله عليه وسلم- من مكة مهاجرًا إلى مدينته المنورة، حيث أسس لدعوته الدولة التي تحملها للناس، وسنرى كيف جاهد ببسالة كفار قريش؟ دفاعًا عن مدينته، حتى وقعت بينهما الهدنة. وما كسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدها قط، وما خلد إلى الراحة في دولته، بل جعل الهدنة فرصة ليثبت أمر الدين، وينشر نور الحق، إلى أن كان الفتح، وكان دخول الناس في دين الله أفواجًا. وفى رحلتنا تلك لن ننسى أن نلمح بيته ونعرف صفته، وندرك ما جعل الله على يديه من معجزات براقة.

نستعرض هنا سيرة المُصطفى (عليه أفضل الصلاة والسلام) في هذه الفصول التالية :


الفصل الأول

عام الفيل


إن الله تعالى يخلق ما يشاء ويختار{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار}(القصص:68) خلق الإنسان وفضل بعضه على بعض، وخلق الزمان وفضل بعضه على بعض، وخلق المكان وفضل بعضه على بعض، ومن الأماكن التي اختارها سبحانه وفضلها على سائر بقاع الأرض، مكة المكرمة، التي فيها البيت العتيق، وهو أول بيت وضع للناس، وقد حرسه الله وحماه وأحاطه برعايته ورد عنه كيد المجرمين، ومن ذلك حادثة الفيل المشهورة التي سجل الله وقائعها في القرآن الكريم فما خبر هذه الواقعة ؟ هذا ما سنقف عليه في هذه الأسطر :
ذكرت كُتب السيرة أن أبرهة الحبشي كان نائباً للنجاشي على اليمن، فرأى العرب يحجون إلى الكعبة، ويعظمونها، فلم يرق له ذلك، وأراد أن يصرف الناس عنها، فبني كنيسة كبيرة بصنعاء ، ليحج الناس إليها بدلاً من الكعبة، فلما سمع بذلك رجل من بني كنانة دخل الكنيسة ليلاً، فبال وتغوط فيها ، فلما علم أبرهة بذلك سأل عن الفاعل فقيل له، صنع هذا رجل من العرب من أهل البيت الذي تحج العرب إليه بمكة ، فغضب أبرهة وحلف أن يذهب إلى مكة ليهدمها، فجهَّز جيشاً كبيرا، وأنطلق قاصداً البيت العتيق يريد هدمه، وكان من جملة دوابهم التي يركبون عليها الفيل-الذي لا تعرفه العرب بأرضها- فأصاب العرب خوفٌ شديد،ٌولم يجد أبرهة في طريقه إلا مقاومة يسيرة من بعض القبائل العربية التي تعظم البيت، أما أهل مكة فقد تحصنوا في الجبال ولم يقاوموه.
وجاء عبد المطلب يطلب إبلاً له أخذها جيش أبرهة، فقال له أبرهة: كنتَ قد أعجبتني حين رأيتُك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أخذتها منك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك، قد جئتُ لهدمه، لا تكلمني فيه ! قال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت رباً يحميه،
فقال أبرهة: ما كان ليمتنع مني
قال عبد المطلب :أنت وذاك.وأنشد يقول: لاهُمَّ إن العبد يمنع رحله فامنع رحالك لايغلبنَّ صليبهم ومحالهم غدواً محالك إن كنتَ تاركهم وقبلتنا فأمر ما بدا لك
فلما أصبح أبرهة عبأ جيشه، وهيأَ فيله لدخول مكة ، فلما كان في وادي محسر-بين مزدلفة ومنى- برك الفيل، وامتنع عن التقدم نحو مكة ، وكانوا إذا وجهوه إلى الجنوب، أو الشمال ، أو الشرق، انقاد لذلك، وإذا وجهوه للكعبة برك وامتنع، وبينما هم على هذه الحالة ، إذ أرسل الله عليهم طيراً أبابيل (ومعنى أبابيل يتبع بعضها بعضاً) مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجر في منقاره وحجران في رجليه، لا تصيب منهم أحداً إلا تقطعت أعضاؤه ، وهلك.
أما أبرهة فقد أصابه الله بداء، تساقطت بسببه أنامله، فلم يصل إلى صنعاء إلا وهو مثل فرخ الحمام، وانصدع صدره عن قلبه فهلك شر هلكة. وقد أخبر الله تعالى بذلك في كتابه فقال:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ. أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ. تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول.} (سورة الفيل)
وقد حدثت هذه الواقعة في شهر المحرم قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين يوما تقريبا .وهو يوافق فبراير سنة 571م.

ووقعت في ظروف ساعدت على وصول خبرها إلى معظم أرجاء المعمورة المتحضرة في ذلك الزمن ، فالحبشة كانت ذات صلة قوية بالرومان ، والفرس لهم بالمرصاد يترقبون ما ينزل بهم وبحلفائهم، وهاتان الدولتان كانتا تمثلان العالم المتحضر في ذلك الزمان. فلفتت هذه الواقعة أنظار العالم إلى شرف هذا البيت ومكانته، وأنه هو البيت الذي اصطفاه الله تعالى للتقديس.

يتبع

نسبه وأسرته (صلى الله عليه وسلم)


اصطفى الله سبحانه وتعالى نبيه (صلى الله عليه وسلم) من أزكى ولد إسماعيل نسبًا، وشرف النسب لا يمنح الرجل الخامل ذكرًا أو شرفًا، لكن اجتماعه لمن اتصف بحميد الخلق، واكتسى بالهيبة، وتزين بالعقل والحلم، يزيده قدرًا وشرفًا ورفعة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو: مُحَمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وينقسم نسبه -صلى الله عليه وسلم- إلى ثلاثة أجزاء:
الجزء الأول إلى عدنان
الجزء الثانى إلى إبراهيم (عليه السلام)
الجزء الثالث إلى آدم (عليه السلام)
وقد اتفق على صحة الجزء الأول لكن اختلف في الجزئين التاليين، أما أمه (صلى الله عليه وسلم) فهي: السيدة آمنة بنت وهب.
الجزء الأول
مُحَمّد بن عبد الله بن عبد المطلب وأسمه شيبة بن هاشم وأسمه عمرو بن عبد مناة وأسمه المغيرة (بن قصي وأسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وهو الملقب بقريش وإليه تنتسب القبيلة بن مالك بن النضر وأسمه قيس بن كنانة بن خزيمة بن مدركة وأسمه عامر بن إلياس بن مضر بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وهذا الجزء هو الذي اتفق على صحته أهل السير والأنساب).

الثمرة الطيبة لا تخرج من شجرة خبيثة الأصل، والبناء الشامخ لا بد له من أساس متين، ونبيٍّ يراد له أن يحمل هداية الله إلى العالمين حتى قيام الساعة، لا بد أن تتعهده رعاية الله وتوجيهه حتى يؤهل للقيام بهذه المهمة الجليلة. ولا شك أن شرف نسبه وأسرته (صلى الله عليه وسلم) ورعاية الله له في مولده ورضاعته، وتعهده به صلى الله عليه وسلم، في طفولته وصباه، ثم الكيفية التي قضى بها النبي الكريم حياته من الشباب إلى البعثة، لا شك أن ذلك كله كان تقديمًا رائعًا لبعثة نبيٍّ عظيم.


يتبع

الفصل الثاني
مولده ورضاعته (صلى الله عليه وسلم)

آمنة
هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب -أم رسول الله-، وأفضل امرأة في قريش يومئذ نسبًا وموضعًا، أما أبوها فسيد بنى زهرة نسبًا وشرفًا. تزوجت آمنة من عبد الله بن عبد المطلب، فلما حملت به رأت أنه خرج منها نور أضاءت به قصور الشام، ثم تأيمت وجنينها بعد لم ير النور، ووضعته فكان خير من وضعت امرأة إلى قيام الساعة، وقد توفيت بالأبواء بين مكة والمدينة وهى في طريق عودتها إلى مكة بعد أن زارت بمُحَمّد (صلى الله عليه وسلم) وهو ابن ست سنين أخواله من بنى عدى بن النجار. وبنو عدى بن النجار أخوال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأن منهم سلمى بنت عمرو النجارية زوجة هاشم وأم عبد المطلب جد رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
حملت صبيحة الإثنين التاسع من شهر ربيع الأول لأول عام من حادثة الفيل، والموافق للعشرين أو الثاني والعشرين من إبريل عام (571م) حملت صبيحة ذلك اليوم للدنيا أجمل وأجل هدية: ميلاد مُحَمّد (صلى الله عليه وسلم) ولم تجد آمنة أمُّ خاتم النبيين يد عبد الله زوجها؛ لتربت عليها، وتشاركها فرحتها بوليدها الصغير، ولكنها أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بالغلام النجيب، وامتلأ قلب الشيخ الذى كساه الحزن؛ لفقد ولده الشاب الأثير- امتلأ بالبهجة والبشر، وأسرع فأخذه، وسار به حتى دخل الكعبة، ثم دعا الله وشكر له، واختار له اسم مُحَمّد، ولما كان اليوم السابع لمولده ختنه على عادة العرب، وأمر بناقة فنحرت، ثم دعا رجالاً من قريش فحضروا وطعموا. وكانت عادة ساكني الحضر من العرب يومئذ أن يلتمسوا المراضع لأولادهم، لتقوى أجسامهم، ويتقنوا اللسان العربي فى مهدهم، فالتمس عبد المطلب من ترضع حفيده المحبوب، حتى صار الأمر لامرأة من بنى سعد بن بكر هي: حليمة بنت أبى ذؤيب، وفى ديار حليمة نشأ مُحَمّد (صلى الله عليه وسلم) وتحرك لسانه بما تعلم، ودبت قدماه تسعى في ديار بنى سعد وباديتهم، وبهذه البادية حدثت له (صلى الله عليه وسلم) حادثة شق الصدر الشهيرة، والتي كانت إرهاصًا بعظم شأنه (صلى الله عليه وسلم).

في ديار حليمة

خرجت حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية مع نسوة من بنى سعد بن بكر يلتمسن الرضعاء، وما إن وصلت مكة حتى التقطت كل واحدة منهن رضيعًا ألقمته ثديها، ولم يبق بمكة إلا رضيع واحد ومرضعة واحدة، أما الرضيع فكان مُحَمّدا (صلى الله عليه وسلم)، ترك ليتمه، فكانت كل واحدة منهن تقول: يتيم! وما عسى أن تصنع أمه وجده؟!، وأما المرضعة فكانت حليمة السعدية، ويبدو مما نقل إلينا من الروايات أنها كانت على حال بالغة من الضعف والوهن، فأبت أمهات قريش أن يدعن لها بنيهن، ولم ترض حليمة أن تعود لديارها خالية الوفاض، فعادت ليتيم مكة، بعد أن زهدته، وشجعها على ذلك زوجها أبو كبشة الحارث بن عبد العزي قائلاً: لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. وما إن التقم فم مُحَمّد (صلى الله عليه وسلم) ثديها حتى امتلأ من بعد جفاف باللبن، فشرب، وشرب أخوه ونام، وما كان قبلها يصنع ذلك، وإذا دابتها العجفاء تسبق دواب صويحباتها، وإذا ضرع غنمها حافل باللبن، فباتت حليمة وزوجها وابنها فى خير ليلة، وأصبح زوجها يقول لها: تعلمي والله يا حليمة؟! لقد أخذت نسمة مباركة. وترددت أنفاس مُحَمّد (صلى الله عليه وسلم) الزكية في دار حليمة، فامتدت إليها البركة، فسمنت غنمها، وزاد لبنها وبارك الله لها في كل ما عندها، حتى كان بنو سعد يقولون لرعيانهم: ويلكم! اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبى ذؤيب. وأتم مُحَمّد (صلى الله عليه وسلم) سنتين، ففطمته حليمة، وذهبت به إلى آمنة تلح عليها -لما رأت معه من الخير- أن تتركه لها مزيدًا من الوقت، ولم تزل بها حتى ردته إليها، فمكث فى بنى سعد، حتى سن الرابعة أو الخامسة. وفى هذه السن وقعت له حادثة شق الصدر، فخشيت عليه حليمة أن يكون أصابه سوء، فردته إلى أمه بمكة.

حادثة شق الصدر

بينا مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) يلعب مع الغلمان، في ديار حليمة السعدية، وقد ناهز سنه يومئذ الرابعة أو الخامسة، حدثت له حادثة عجيبة، إذ أتاه الملك، فأخذه فصرعه، ثم شق صدره، واستخرج قلبه، وأخرج منه علقة، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده إلي مكانه، وغدا الغلمان إلي أمه حليمة ينبهونها قائلين إن مُحَمّدا قد قتل، فأسرعت إليه حليمة، واستقبلته وهو منتقع اللون، وخشيت حليمة وزوجها أن يكون أصابه سوء فبادرا برده إلي أمه آمنة بمكة.

طفولته وصباه (صلي الله عليه وسلم)

عاد مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) من ديار حليمة إلي أحضان أمه، التي طال اشتياقها إليه، وحنت عليه آمنة حتى بلغ عندها ست سنين، ثم إن الأرملة الوفية لذكري زوجها الشاب عبد الله، قد عزمت أن ترحل إليه بالمدينة، فتري قبره، وتُري مُحَمّدا أخواله من بني النجار، خرجت آمنة في رحلة تبلغ خمسمائة كيلو متر، تصحب ابنها وخادمتها أم أيمن، ويصحبها عبد المطلب، يحدوهم جميعًا حنينهم إلي قبر عبد الله، ومكثت آمنة بالمدينة شهرًا، ثم عُقِدَ العزم علي الرحيل، لكنْ مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) وقد طالعت عيناه قبر أبيه فتجسد لديه معني اليتم جليًا، كانت الأقدار تخبئ له مفاجأة أليمة أخري فقد ألح المرض علي أمه ولاحقها، حتى قضت نحبها بالأبواء بين مكة والمدينة، وعاد يتيم الأبوين حزينًا مع جده العطوف إلي مكة، فيكرمه جده، ويحبه، ويحنو عليه، بل ويقدمه علي أبنائه، ويروي أن فراشًا كان يبسط لعبد المطلب في ظل الكعبة لا يقربه أحد إجلالاً له حتى يخرج إليه، فكان رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يأتي فيجلس عليه، فإن أراد أعمامه أن يؤخروه ولمحهم جده نهاهم عن ذلك، وأقره علي ما يصنع، لكن أين يجد شيخ الثمانين متسعًا من الوقت ينشئ فيه حفيده؟. عاجلت المنية عبد المطلب فمات، وقد أوصي ابنه أبا طالب برعاية الحفيد اليتيم، وقام أبو طالب بمهمته خير قيام، وظل يساند ظهر مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) ويعضد جانبه ما يربو علي الأربعين عامًا، ورحل مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) معه إلي الشام مرة وهو في الثانية عشرة من عمره، فلقيا في الطريق بحيرا الراهب، فعلم أنه نبي هذه الأمة ورده إلي مكة مخافة عليه، وشارك قريشًا حربها ضد قيس عيلان، وهو بعد في الخامسة عشرة في حرب الفجار، ثم شهد علي أثره حلف الفضول بدار ابن جدعان إذ تحالفوا علي نصرة المظلوم والغريب. وهكذا قضي النبي الكريم (صلي الله عليه وسلم)، طفولة امتزج فيها حنان الجد بألم اليتم والفراق، واللعب واللهو بالجد والحرب مع الكبار.
حين بلغ مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) اثنتي عشرة سنة ارتحل مع عمه أبي طالب إلي الشام في تجارة له، ونزل الركب ببصري فالتقيهم راهب صالح يدعي بحيرا (واسمه جرجيس). وعلم الراهب من أمر مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) ما جهله قومه وأهله، فسأل أبا طالب عنه فقال: ابني. فأجابه: ما ينبغي أن يكون أبوه حيًا!. وتعجب أبو طالب من علم بحيرا! فقال له: فإنه ابن أخي مات أبوه وأمه حبلي به. فأجابه بحيرا مقتضبـًا وناصحـًا: صدقت، ارجع به إلي بلدك، واحذر عليه يهود. فأسرع أبو طالب برده مع بعض غلمانه إلي مكة، ويبدو أن بحيرا قد عرفه من خاتم النبوة الذي بظهره (كما جاء في بعض الروايات)، ومما كان يقرؤه بكتبه من قرب بعثة نبي بعد عيسي (عليه السلام)، ومن إمارات ذلك النبي وعلاماته.

يتبع

الدعوة سرًا

عن أدران الجاهلية، وحماقاتها المتعددة، ومساوئها المختلفة، نأي مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) وابتعد، ليس بروحه الطاهرة فحسب، بل بجسده أيضًا. إذ كان يمكث الليالي ذوات العدد في غار حراء متعبدًا لربه ومتقربًا. ودون تأهب منه أو توقع؛ فوجئ (صلي الله عليه وسلم) بنزول الوحي إليه، وتبليغه برسالات ربه. وما كان علي النبي الأمين (صلي الله عليه وسلم)، إلا أن يبلغ النور الذي يحمله إلي الناس من حوله، فظل يبلغ الدعوة سرًا طوال ثلاثة أعوام، ينتقي من يلتمس فيه صلاحًا، فيسمعه القرآن المنزل عليه، ويجمعه مع إخوانه الذين سبقوه لدين الله، منتظرًا ومتهيئًا نزول أمر الله بالجهر بدعوته.

الدعوة جهرًا

ما إن نزل أمر الحق تبارك وتعالي لرسوله (صلي الله عليه وسلم) بالجهر بالدعوة، حتى قام النبي علي جبل الصفا؛ يعلن علي الملأ حقيقة رسالته. لكن الآذان التي لم تتعود سماع الحق، والعقول التي ألفت الدعة والنوم، والنفوس التي عشقت الضلال حتى أدمنته، لم ترض لنور الله أن يسطع بين حنايا مكة؛ حتى يكون لها في منعه دور ونصيب. وقد تحمل النبي (صلي الله عليه وسلم)، وعصبته المؤمنة مخاطر وألم المواجهة والإيذاء، وسطروا بدمائهم وأرواحهم أروع آيات الصبر والثبات. وهم إن عدموا ملجأ يحتمون به في دروب مكة ودورها علي تعددها واتساعها فقد وجدوا في دار أخيهم الأرقم النائية بعض الأمن وبعض الجزاء، فبين جدران هذه الدار المباركة كانوا يتعلمون أحكام دينهم، ويتربون علي قيمه السامية، ثم كان في الهجرة إلي الحبشة بعد اشتداد الإيذاء الحماية والمنعة، في بلد عُرِفَ ملكها بالعدل والإنصاف. أما مسلمو مكة ممن لم يهاجروا إلي الحبشة، فقد قويت شوكتهم بإسلام حمزة وعمر (رضي الله عنهما). ولما أيست قريش من أساليب المواجهة والإيذاء لجأت لأساليب المساومة والإغراء، لكن هيهات لمن رأي النور الحق أن يخدع ببريق الشهوات. وعلي حمية الجوار جمع أبو طالب بني هاشم وبني المطلب، لنصرة ابن أخيه، وهنا لم يبق لقريش إلا أن تعلن المقاطعة العامة للمسلمين وأنصارهم، وكما صبر المسلمون علي ألم الإيذاء، وفتنة الإغراء، مشوا بأقدامهم علي أشواك هذه المقاطعة ليصلوا إلي هدفهم النبيل. وكمحاولة يائسة حيري أخيرة أرسلت قريش وفدًا منها إلي أبي طالب، ليعاود المفاوضة، ولم يعد إلا بما استحقه: خفَّي حنين. وفي العام العاشر للنبوة ألمت برسول الله والمسلمين مصيبتان: وفاة أبي طالب، ووفاة خديجة (رضي الله عنها)، فسُمِّي هذا العام بعام الحزن.

الجهر بالدعوة

أنزل الله سبحانه وتعالي علي نبيه العظيم (صلي الله عليه وسلم) سورة الشعراء، فقص عليه وعلي المؤمنين بها قصة موسي (عليه السلام)، بفصولها المتتالية: من نبوة، وهجرة، ومواجهة، ونجاة لهم، وهلاك لفرعون ومن معه؛ لتكون هذه السورة أنموذجًا للمسلمين، وأورد الله بها نهايات المكذبين من قوم نوح، وعاد، وثمود، وغيرهم، ثم أنزل الله تعالي بها قوله الكريم: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، فكان ذلك تكليفًا لمُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) ومن آمن معه بالجهر بدعوتهم، وبدأ النبي الكريم بدعوة الأقربين كما أمر، ثم كانت جولته الثانية علي جبل الصفا، منذرًا بطون قريش قاطبة، ومحذرًا إياهم نار الآخرة التي لا تفني، حتي أنزل الله تعالي أمره: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) فكان الصدع بالحق دأبه وديدنه، لا يترك نفسًا إلا ويسمعها من رسالة ربه ما شاء الله لها أن تسمع، آمنت بعد ذلك أم لم تؤمن.

دعوة الأقربين

بادر الرسول (صلي الله عليه وسلم) بتنفيذ ما كلف به بإنذار عشيرته الأقربين، فدعا بني هاشم فحضروا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف، وما كاد النبي يهم بالحديث إليهم حتى عاجله أبو لهب (تبت يداه) بهجوم عاصف، توعده فيه بالهلاك علي أيدي قريش، ومن طاوعهم من العرب، ثم ختم حديثه المشئوم بقوله: فما رأيت أحدًا جاء علي بني أبيه بشرٍ مما جئت به. فسكت مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) ولم يتكلم، وماذا يقول لمن يقف أمام نور الحق، فيعمي قلبه حتى لا يري شيئًا؟. وعاد النبي الكريم إلي المحاولة مرة أخري، فجمعهم ثم خاطبهم فحمد الله وأثني عليه، وأعلمهم أنه رسول الله (صلي الله عليه وسلم) إليهم خاصة، وإلي الناس عامة، وأنذرهم البعث والحساب، والجنة والنار، فأما أبو طالب فقد آزره، وأعلن إحاطته له ونصرته، وأما أبو لهب فقد حفز الناس أن يأخذوا علي يديه قبل أن تأخذ العرب، فأجابه أبو طالب قائلاً: والله لنمنعنه ما بقينا.

على جبل الصفا

فوجئت قريش ذات نهار بمن يصعد جبل الصفا، ثم يلح صارخًا: يا صباحاه! واجتمعت بطون قريش إليه، فإذا الصارخ مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) وإذا هو ينذرهم من بين يدي عذاب شديد، لكن قريشًا التي تعلم صدق مُحَمّد قد عقدت ألسنتها الدهشة، فما أجابه إلا عدو الله عمه أبو لهب قائلاً: تبًا لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا ؟، فنزلت سورة المسد. ويروي أنه تناول حجرًا ليرمي به النبي (صلي الله عليه وسلم).

الصدع بالحق

نزل التوجيه الإلهي إلي رسول الله (صلي الله عليه وسلم) حاسمًا قاطعًا: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)، فانطلق مُحَمّد يجوب مكة بأسرها، من أقطارها إلى أقطارها، ومن أسواقها إلي أنديتها، يوقظ النائمين في ليل الوثنية، ويصرخ بغريقي بحار الجاهلية، ويهز أفئدة المتجمدين علي دين آبائهم، ويعلن للجميع أنه لا إله إلا الله وأنه رسول الله (صلي الله عليه وسلم)، فانفجرت براكين الغضب بمكة، ومادت الأرض تحت أقدام سادتها وسدنة أصنامها، أيكون الأمر لله؟! ولله وحده؟‍! فما يبقي لنا بعد ذاك؟! أيساوي رب مُحَمّد بيننا وبين العبيد والإماء؟! ويسمي كنز المال ظلمًا؟! ولا يصبح لقريش فضل علي من سواها؟! بل لا يصبح فضل لعربي علي أعجمي إلا بالتقوي؟! فما نعيم الدنيا بعد ذاك؟! بل وما البقاء فيها؟!!. أجمعت أفئدة الكفر بمكة علي حرب هذا النبي الجديد، وإفناء أتباعه، وإطفاء نار ثورته قبل أن تطول كل شيء، فكانت المواجهة وكان الإيذاء.
المواجهة والإيذاء

صارح مُحَمّد (صلى الله عليه وسلم) قومه بضلالهم، وواجههم بالنور الذي يحمله، لكن الأعين التي أنست الظلمة إذا واجهتها الأضواء أبت وتألمت، أعلنت مكة الحرب علي نبيها وأتباعه من اليوم الأول، شنت عليه حربًا دعائية لتصرف الناس عنه، ثم استخدمت سلاحي السخرية، وإثارة الشبهات، لتفت في عضده، وأخذت في اختراع الحيل لإشغال الناس عنه، وبين الترغيب والترهيب كان استخدامها للمساومة مرة والاضطهاد مرات أخري، وصارت تضغط بثقلها علي حاميه بمكة: عمه أبي طالب، أما المسلمون الذين آمنوا به فقد توافر لهم من عوامل الصبر والثبات ما يسّر لهم اجتياز هذه المحنة، ومن وضوح الطريق ما أعانهم علي السير في هذه الظلمة

الحرب الدعائية

لم تزل الدعاية منذ فجر التاريخ سلاح كل قوة في الأرض، خيرًا أرادت هذه القوة أم شرًا ابتغت، ومشركو مكة -علي سذاجتهم البدوية- لم يغب عنهم ذاك السلاح، خصوصًا وقد علموا أن مُحَمّدا -صلي الله عليه وسلم- سابقهم إليه، فأفواج الحجيج علي أبواب مكة، وإن سمعوا للمسلمين ونبيهم؛ انتشرت الدعوة الوليدة في أرجاء الجزيرة بأسرها. سارعت قريش للاجتماع بالوليد بن المغيرة، وعزموا أن يوحدوا كلمتهم أمام العرب، فلا يكون اختلاف قولهم سببًا لتكذيبهم، واقترحوا لذلك أمورًا عدة، فمرة يقولون كاهن، وأخري يقولون شاعر، ثم مجنون أو ساحر، كل ذلك وابن المغيرة لا يعجبه الرأي، فسمت مُحَمّد وصفاته سيكذبان افتراءاتهم الباهتة، وأخذ الوليد يقلب فكره ساعة، لكن يبدو أن حيرته تلك لم توصله إلي شيء فقد وافقهم أخيًرا علي هذا الوصف حين قال لهم: لقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم. إلا أن شيطانه قد هداه إلي تشبيه ما جاء به -صلي الله عليه وسلم- بالسحر لأنه يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته. وما كادت قريش تصل إلي هذه التسوية المقيتة حتي تفرقت علي ذلك، ثم سارت في كل طريق بمكة تدعو بدعوتها الباطلة، يتزعمهم أبو لهب -الذي كان يقتفي أثر الرسول -صلي الله عليه وسلم- قائلاً: لا تطيعوه فإنه صابئ كاذب. لكن كما تقول العرب: فعلي نفسها جنت براقش؛ لأن الحجيج قد تركوا مكة لا يتحدثون إلا عن هذا النبي الذي يكذبه قومه، فانتشر ذكره -صلي الله عليه وسلم- في بلاد العرب كلها.


يتبع

الفصل الثالث

إشغال الناس

علمت قريش أن اتهام مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* بالكذب أو الجنون، ورميه بالكهانة أو السحر لا طائل خلفه، وظنوا بسقيم عقولهم أن الناس إنما يجتمعون حوله لعذوبة حديثه، وجمال منطقه، وتناسوا الحقيقة الناصعة، أنهم يجتمعون حوله لصدق حديثه، وقوة منطقه، إذ حديثه هو قرآن رب العالمين، وتمادي القوم في غيهم فرأوا أن يصنعوا حديثًا جذابًا كحديث مُحَمّد!! وبادر النضر بن الحارث لتنفيذ هذه الخطة العليلة فذهب إلي الحيرة، وتعلم بها حكايات ملوك فارس وأحاديث رستم وإسفنديار، ثم عاد يزاحم النبي *صلي الله عليه وسلم* مجلسه ويقول: والله ما مُحَمّد بأحسن حديثًا مني! ثم يتساءل دهشًا: بماذا مُحَمّد أحسن حديثًا مني؟ ولأن حديث النضر لا يجذب إلا البلهاء مثله ممن يهوون الأساطير والترهات غناءً عن الحقيقة الناصعة فقد اشتري بعض المغنيات، حتى إذا سمع أن رجلاً قد مال إلي النبي *صلي الله عليه وسلم* سلطها عليه، تطعمه وتسقيه وتغني له، حتى لا يبقي له ميل إلي الإسلام!!.

المساومة والإضطهاد

لأن عبادة قريش للأصنام تدر عليهم ربحًا وفيرًا، وتنشط تجارتهم، فقد ساوم المشركون مُحَمّدا*صلي الله عليه وسلم*علي العقيدة كما يفعلون في البيع والشراء، محاولين الوصول إلي تسوية ملائمة!! فذهبوا إلي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* يعرضون عليه أمرًا عجيبًا: أن يعبدوا إلهه عامًا ويعبد آلهتهم عامًا بعده؛ حتى تتراضي جميع الأطراف. وإن قبل المشركون ترك آلهتهم عامًا فإن مُحَمّدا صلي الله عليه وسلم* لم يقبل أن يترك عبادة ربه لحظة واحدة أو ما دون ذلك.
فاقد المنطق، عديم الرأي، ماذا يملك حين يعاند الحق سوي أن يمد يده ببطش وتنكيل؟ هذا ما صنعه مشركو مكة بمُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* وصحبه الأبرار، يحاولون مرة بعد مرة أن يقتلوا النبي الكريم، إما بتسليم أبي طالب مُحَمّدا لهم ليقتلوه، وإما بإلقاء صخرة علي رأسه الشريف أثناء سجوده كمحاولة أبي جهل الفاشلة، وإما بخنقه بثوب من عنقه كصنيع عدو الله عقبة بن أبي معيط، وإما بمحاولة عمر بن الخطاب التي انتهت بإسلامه، ولئن فشل المشركون في إزهاق روحه*صلي الله عليه وسلم* فلقد وصل إليه من شرهم الكثير والكثير، بداية من رميه بالحجر كما فعل أبو لهب عند جبل الصفا، ومرورًا بوضع الشوك علي بابه وفي طريقه، وبسط اللسان بالإساءة إليه، والافتراء عليه، كما كانت تصنع زوجه أم جميل، ثم ما كان يصنعه جيرانه من إلقاء القاذورات عليه أثناء سجوده، وما كرره عقبة عند الحرم حين ألقي بسلا جزور علي ظهره *صلي الله عليه وسلم* وهو ساجد، وما فعله الأخنس بن شريق من تطاول عليه وتبجح، حدث هذا لرسول الله *صلي الله عليه وسلم* وهو الشريف في قومه، الداخل في حمي أبي طالب سيد بني هاشم وكبيرها المطاع، فما بالنا بما حدث لصحبه، خصوصًا الضعفاء منهم؟ إن قصص تعذيبهم يندي لها جبين الإنسانية، كما إن صور بطولاتهم ترفع هاماتهم في عنان السماء، ما سلم أحد منهم من الأذي، بداية من أبي بكر الصديق، ثم عثمان بن عفان، وعمر بن الخطاب، ومصعب بن عمير، وبلال الحبشي، وعمار بن ياسر وأبيه، وأمه، وأبي فكيهة، وخباب بن الأرت. وما اقتصر الأمر علي تعذيب الرجال بل إن المرأة التي سبقت إلي الإسلام سرًا كان لها في الاضطهاد نصيب كبير! فكما كانت خديجة رضي الله عنها أول من أسلم كانت سمية *رحمها الله* أول من استشهد وقصص تعذيب زنيرة، والنهدية، وأم عبيس، وجارية بني مؤمل، وغيرهن حافلة ومؤلمة، لكن هؤلاء الأبطال البررة قد اختطوا لأنفسهم طريقًا واضحًا، كان عاملاً من عوامل صبرهم وثباتهم لاجتياز تلك المحنة.


الضغط علي أبي طالب
إن أبا طالب وقد نشأ مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* في بيته، وكبر أمام عينيه، وشهد من كريم صفاته، وسامي أخلاقه، ما قرت به عينه، يشعر حقيقة أن مُحَمّدا ابنه لا ابن أخيه. إنه نبي، هذه الحقيقة التي تملأ فؤاد أبي طالب، ويفخر بها لسانه، هي نفسها التي نطق بها حين سأله بحيرا الراهب: ما هذا الغلام منك؟ وقد اصطحب مُحَمّدا صبيًا في رحلته إلي الشام، ولأنه ابنه، ولأنه مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* الذي يعرفه جيدًا فقد ناصر أبو طالب مُحَمّدا في كل موقف، وسانده في كل ضيق، وسانده حين أقر لابنه علي اتباعه، وحين أعلن تأييده يوم دعا الرسول بني هاشم، وصرح أبو طالب بمناصرة مُحَمّد في أروقة مكة وأنديتها، وما كان جوار أبي طالب *كبير مكة وسيد بني هاشم* بالجوار الذي يعتدي عليه؛ لذلك رأت قريش أنه لا سبيل إلي مُحَمّد إلا عن طريق عمه، فأخذت تمشي إليه مرة بعد مرة، مشت إليه في بداية جهره فردها ردًَّا رقيقًا، ومشت إليه في العام السادس للنبوة عارضة أن يبدلوه عمارة بن الوليد بن المغيرة *أنهد فتي في قريش وأجمله* بمُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* ليقتلوه، فتعجب أبو طالب من عرضهم وأجابهم داهشًا: أتعطوني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه؟!. وذهبت إليه قريش مرة ثالثة متهددة متوعدة: تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتي يهلك أحد الفريقين. ولقد تعبت أعصاب أبي طالب واهتزت في هذه المرة فراجع ابن أخيه قائلاً: ابق علي وعلي نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، فأجابه الرسول *صلي الله عليه وسلم* حزينًا: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري علي أن أترك هذا الأمر حتي يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته، ثم دمعت عيناه ومضي *صلي الله عليه وسلم*، أما أبو طالب فقد ناداه ثم قال له: اذهب يابن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء

عوامل الصبر والثبات

عشر سنوات كاملة قضاها المسلمون مع نبيهم تحت وطأة التعذيب، يكتوون بجمر قريش، ويسامون الضيم من سفهائها فما تخلف أحد منهم عن دينه، وما نقص يومًا عددهم أو إيمانهم، ولقد كان وراء ذلك من ثبات علي العقيدة، وانتشار للدعوة رغم حلكة ظروفها، عوامل بارزة وأسباب عديدة:
أولها: إيمانهم العميق بالله: حتى إنهم عرفوه حق المعرفة، فملأ اليقين قلوبهم، وهانت الشدائد علي نفوسهم.
ثانيها: يادتهم المحبوبة: مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* الرجل الكريم الذي تجتمع عليه الأفئدة، وتنجذب إليه النفوس، ويوقن بقدره، ويعترف بذلك الأعداء له قبل الأصدقاء.
ثالثها:الشعور بالمسئولية: حتي إن أحدثهم إيمانًا يعلم علمًا أكيدًا، أنه مكلف من ربه {ز وجل}بحمل الرسالة إلي العالمين، والصبر من أجل ذلك.
رابعها: ليقين بالآخرة: وحسبهم أن يروا البعث والحساب، والجنة والنار، رؤية العين حتي يعملوا فلا يملوا، ويصبروا فلا يكلوا.
خامسها: قرآن: الذي كان الوحي يأتي به صباح مساء، يعالج قضاياهم الآنية، ويجيب عن أسئلتهم الحائرة، ويرد علي خصومهم وأعدائهم، ويطوف بهم في أرجاء الكون الواسع، ثم يعرج بهم إلي ما خلف هذا الكون، فتنشرح صدورهم، وتثبت أقدامهم.
سادسها: لبشارات: التي كان القرآن يتنزل بها، والنبي *صلي الله عليه وسلم* يحدثهم عنها فهم في صبرهم ذلك موقنون بالنصر، متحينون مقدمه.
سابعها: ذه التربية الدقيقة التي كان يقوم بها النبي بنفسه، فيغذي أرواحهم، ويزكي نفوسهم، ويطهر أخلاقهم يومًا بعد يوم، من أدران الجاهلية ولوثاتها.
ثامنها: نهم مع هذا كله لم يكونوا قاعدين مستسلمين لما يسومهم به مشركو مكة من التعذيب والتنكيل منتظرين فرج الله دون عمل، بل كان للقوم طريق واضح، يبصرونه جميعًا، ويسيرون عليه دأبًا؛ للخروج من هذه الأزمة الطاحنة.

وضوح الطريق والمقاومة السلمية

اختط المسلمون ونبيهم مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* لأنفسهم طريقًا واضحة المعالم، ذلك أن العاقل ينبغي له أن يفقه سيره، ويعلم ما يسمح له فيه، وما يحظر عليه، حتى لا يقف أمام كل عثرة أو منحني يعيد حسابات قد انتهي منها، ويكرر تفكيرًا كان منه قد فرغ!.
وتميز هذا الطريق بقواعد عدة منها: المقاومة السلمية، وإنقاذ المستضعفين، والاستفادة من قوانين الشرك، وعدم المساومة علي العقيدة، والاستفادة من المشاركة بين الإسلام والديانتين السماويتين: اليهودية والنصرانية، وتحييد بعض الشخصيات المشركة، وطلب المنعة من خارج قريش، والمجاهرة بالدعوة في كل وقت وكل حين.
من بين ثلاثمائة صنم يحوطون الكعبة، وآلاف المخمورين الذين يجوبون طرقات مكة، ويطرقون دور البغاء بها صباحًا ومساءً، خرجت الدعوة الخاتمة للعالمين، والدعوة الوليدة تصطدم في جوهرها بنظم مكة العتيقة، وحياة أهلها، فهل يكتب علي المؤمنين بها أن يصطدموا بأهل مكة، والدعوة بعد في أولي خطواتها؟. لقد نهاهم القرآن أن يسبوا الآلهة الصماء، وامتنعوا هم أن يردوا إلي المشركين إساءاتهم ومكائدهم اللئيمة. إن العربي الذي كان يقيم حربًا لسنوات طويلة ولا يقعدها من أجل أن فرسًا سبقت أخري دون حق، صار اليوم بعد أن دخل دين الله يعرف كيف يضبط نفسه، ويشكم جماحها، فقد تعلم من نبيه *صلي الله عليه وسلم* الإخلاص، فإلام الثأر والانتقام؟! ألحظ نفسه؟، حاشاه أن يفعل! أما إن كان لله ورسوله ودينه العمل فالخير إذن في الصبر والاحتمال. كانت هذه الخطة بليغة الأثر في نفوس أهل مكة ومن حولها، فهم يرون قومًا لا يقولون إلا شهادة الحق، ثم يرون آخرين ثائري الرأس، معكري المزاج، يسومونهم خسفًا بعد خسف، ويذيقونهم ظلمًا وعدوانًا، فكان هذا المنظر يهيج النفوس الكريمة؛ لسماع دعوة الحق الطاهرة، النقية الواضحة، التي لم تشوش علي نفسها بحرب أو قتال، وتركت المجال فسيحًا لآيات الله فحسب، تبين الحق، وتنير السبيل، وترد على المشركين.



هذا مختصر عن حيات سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم


ساقي الحرمين
مراقب عام
مراقب عام

عدد المساهمات : 15
تاريخ التسجيل : 22/12/2012
العمر : 32

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة حيات الرسول محمد صلى الله عليه و سلم  Empty رد: قصة حيات الرسول محمد صلى الله عليه و سلم

مُساهمة من طرف عمر الزهيري السبت يناير 05, 2013 3:09 pm

صلوات ربي تغشاك يا حبيب الله
ما اروع حياتك وصبرك

يعطيك العافيه
تقبل مروري
عمر الزهيري
عمر الزهيري
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 74
تاريخ التسجيل : 31/12/2012

https://arshyemen.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى